فصل: دعوة زياد بالدعوة العباسية.

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» (نسخة منقحة)



.الخبر عن جزيرة إقريطش وما كان بها للمسلمين من الملك على يد بني البلوطي إلى أن استرجعها العدو.

هذه الجزيرة من جزر البحر الرومي ما بين صقلية وقبرس في مقابلة الإسكندرية على يد الجالية أهل الربض وذلك أن أهل الربض الغربي من قرطبة وكان محلة متصلة بقصر الحكم بن هشام فنقموا عليه وثاروا به سنة اثنتين ومائتين فأوقع بهم الوقعة المشهورة واستلحمهم وهدم ديارهم ومساجدهم وأجلى الفل منهم إلى العدوة ونزلوا بفاس وغيرها وغرب آخرين إلى الإسكندرية فنزلوا وافترقوا في جوانبها وتلاحى رجل منهم مع جزار من سوقة الإسكندرية فنادوا بالثأر واستلحموا كثيرا من أهل البلد وأخرجوا بقيتهم وامتنعوا بها وولوا عليهم أبا حفص عمر بن شعيب البلوطي ويعرف بأبي الفيض من أهل قرية مطروح من عمل فحص البلوط المجاور لقرطبة فقام برياستهم وكان على مصر يومئذ عبد الله بن طاهر فزحف إليهم وحصرهم بالإسكندرية فاستأمنوا له فأمنهم وبعثهم إلى جزيرة أقريطش فعمروها وأميرهم أبو حفص البلوطي وتداولها بنوه من بعده مدة من مائة وأربعين سنة إلى أن ملكها أريانوس بن قسطنطين ملك القسطنطينية من يد عبد العزيز بن شعيب من أعقابه سنة خمس وثلاثمائة وأخرجوا المسلمين منها والله يعيد الكرة ويذهب آثار الكفرة والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب.

.أخبار اليمن والدول الاسلامية التي كانت فيه للعباسيين والعبيديين وسائر ملوك العرب وابتداء ذلك وتصاريفه على الجملة ثم تفصيل ذلك على مدنه وممالكه واحدة بعد واحدة.

قد كنا قدمنا في أخبار السير النبوية كيف صار اليمن في ملكة الإسلام بدخول عامله في الدعوة الإسلامية وهو باذان عامل كسرى وأسلم معه أهل اليمن وأمره النبي صلى الله عليه وسلم على جميع مخاليفها وكان منزله صنعاء كرسي التبابعة ولما مات بعد حجة الوداع قسم النبي صلى الله عليه وسلم اليمن على عمال من قبله وجعل صنعاء لابنه شهربان بن باذان وذكرنا خبر الأسود العنسي وكيف أخرج عمال النبي صلى الله عليه وسلم من اليمن وزحف إلى صنعاء فملكها وقتل شهربان بن باذان وتزوج إمرأته واستولى على أكثر اليمن وارتد أكثر أهله وكتب النبي صلى الله عليه وسلم إلى أصحابه وعماله وإلى من ثبت على إسلامه فداخلوا زوجة شهربان بن باذان التي تزوجها في أمره على يد ابن عمها فيروز وتولى كبر ذلك قيس بن عبد يغوث المرادي فبيته هو وفيروز وذاذويه بإذن زوجته فقتلوه ورجع عمال النبي صلى الله عليه وسلم إلى أعمالهم وذلك قبيل الوفاة واستبد قيس بصنعاء وجمع الفل من جند الأسود فولى أبو بكر على اليمن فيروز فيمن إليه من الأبناء وأمر الناس بطاعته فقاتل قيس بن مكشوح وهزمه ثم ولى أبو بكر المهاجر بن أبي أمية فقاتل أهل الردة باليمن وكذلك عكرمة بن أبي جهل وأمره أن يبدأ بالمرتده فسار معها وحضر حرب الجمل وولي على اليمن عبيد الله بن عباس ثم أخاه عبد الله ثم ولى معاوية على صنعاء فيروز الديلمي ومات سنة ثلاث وخمسين ثم جعل عبد الملك اليمن في ولاية الحجاج لما بعثه لحرب ابن الزبير سنة اثنتين وسبعين ولما جاءت دولة بني العباس ولى السفاح على اليمن عمه داود بن علي حتى إذا توفي سنة ثلاث وثلاثين ومائة ولى مكانه محمد بن يزيد بن عبيد الله بن عبد الملك عبد الدار ثم تعاقب الولاة على اليمن وكانوا ينزلون صنعاء حتى انتهت الخلافة إلى المأمون وظهرت دعاة الطالبيين بالنواحي وبايع أبو السرايا من بني شيبان بالعراق لمحمد بن إبراهيم طباطبا بن إسماعيل بن إبراهيم أخو المهدي النفس الزكية محمد بن عبد الله بن حسن وكثر الهرج وفرق العمال في الجهات ثم قتل وبويع محمد بن جعفر الصادق بالحجاز وظهر باليمن إبراهيم بن موسى الكاظم سنة مائتين ولم يتم أمره وكان يعرف بالجزار لسفكه الدماء وبعث المأمون عساكره إلى اليمن فدوخوا نواحيه وحملوا كثيرا من وجوه الناس فاستقام أمر اليمن كما نذكره.

.دعوة زياد بالدعوة العباسية.

ولما وفد وجوه أهل اليمن على المأمون كان فيهم محمد زياد ولد عبد الله بن زياد بن أبي سفيان فاستعطف المأمون وضمن له حياطة اليمن من العلويين فوصله وولاه على اليمن وقدمها سنة ثلاث ومائتين وفتح تهامة اليمن وهي البلد التي على ساحل البحر الغربي واختط بها مدينة زبيد ونزلها وأصارها كرسيا لتلك المملكة وولى على الجبال مولاه جعفرا وفتح تهامة بعد حروب من العرب واشترط على عرب تهامة أن لا يركبوا الخيل واستولى على اليمن أجمع ودخلت في طاعته أعمال حضرموت والشحر ودياركندة وصار في مرتبة التبابعة وكان في صنعاء قاعدة اليمن بنو جعفر من حمير بقية الملوك التبابعة استبدوا بها مقيمين بالدعوة العباسية ولهم مع صنعاء سبحان ونجران وجرش وكان أخوهم أسعد بن يعفر ثم أخوه قد دخلوا في طاعة ابن زياد وولي بعده ابنه إبراهيم ثم ابنه زياد بن إبراهيم ثم أخوه أبو الجيش إسحق بن إبراهيم وطالت مدته إلى أن أسن وبلغ الثمانين وقال عمارة ملك ثمانين سنة باليمن وحضرموت والجزائر البحرية ولما بلغه قتل المتوكل وخلع المستعين واستبداد الموالي على الخلفاء مع ارتفاع اليمن ركب بالمظلة شأن سلاطين العجم المستبدين وفي أيامه خرج باليمن يحيى بن الحسين بن القاسم الرسي ابن إبراهيم بن طباطبا بدعوة الزيدية جاء بها من السند وكان جده القاسم قد فر إلى السند بعد خروج أخيه محمد مع أبي السرايا ومهلكه كما مر فلحق القاسم بالسند وأعقب بها الحسين ثم ابنه يحيى باليمن سنة ثمان وثمانين ونزل صعدة وأظهر دعوة الزيدية وزحف إلى صنعاء فملكها من يد أسعد بن يعفر ثم استردها منه بنو أسعد ورجع إلى صعدة وكان شيعته يسمونه الإمام وعقبه الآن بها وقد تقدم خبرهم وفي أيام أبي الجيش بن زياد أيضا ظهرت دعوة العبيديين باليمن فأقام بها محمد بن الفضل بعدن لاعة وجبال اليمن إلى جبال المديحرة سنة أربعين وثلاثمائة وبقي له باليمن من السرجة إلى عدن عشرون مرحلة ومن مخلافة إلى صنعاء خمس مراحل ولما غلبه محمد بن الفضل بهذه الدعوة امتنع أصحاب الأطراف عليه مثل بني أسعد بن يعفر بصنعاء وسليمان بن طرف بعثر والإمام الرسي بصعدة فسلك معهم طريق المهادنة ثم هلك أبو الجيش سنة إحدى وسبعين وثلاثمائة بعد أن اتسعت جبايته وعظم ملكه قال ابن سعيد: رأيت مبلغ جبايته وهو ألف ألف مكررة مرتين وثلاثمائة ألف وستة وستون ألفا من الدنانير العشرية ما عدا ضرابية على مراكب السند وعلى العنبر الواصل بباب المندب وعدن أبين وعلى مغائص اللؤلؤ وعلى جزيرة دهلك ومن بعضها وصائف وكانت ملوك الحبشة من وراء البحر يهادونه ويخطبون مواصلته ولما مات خلف صبيا صغيرا إسمه عبد الله وقيل إبراهيم وقيل زياد وكفلته أخته ومولاه رشيد الحبشي واستبد عليهم إلى أن انقرضت دولتهم سنة سبع وأربعمائة ثم هلك هذا الطفل فولوا طفلا آخر من بني زياد أصغر منه وقال ابن سعيد: لم يعرف عمارة إسمه لتوالي الحجبة عليه ويعني عمارة مؤرخ اليمن وقيل هذا الطفل الأخير اسمه إبراهيم وكفلته عمته ومرجان من موالي الحسن بن سلامة واستبد بأمرهم ودولتهم وكان له موليان اسم أحدهما قيس والآخر نجاح فجعل الطفل المملك في كفالته وأنزله معه بزبيد وولى نجاحا على سائر الأعمال خارج زبيد ومنها الكرارة واللجم كان يؤثر قيسا على نجاح ووقع بينهما تنافر ورفع لقيس أن عمة الطفل تميل إلى نجاح وتكاتبه دونه فقبض عليها بإذن مولاه مرجان ودفنها حية واستبد وركب بالمظلة وضرب السكة وانتقض نجاح لذلك فزحف في العساكر وبرز قيس للقائه فكانت بينهما حروب ووقائع انهزم قيس في آخرها وقتل في خمسة آلاف من عسكره وملك نجاح زبيد سنة عشرة وأربعمائة ودفن قيسا ومولاه مرجانا مكان الطفل والعمة واستبد وضرب السكة بإسمه وكاتب ديوان الخلافة ببغداد فعقد له على اليمن ولم يزل مالكا لتهامة قاهرا لأهل الجبال وانتزع الجبال كلها من مولاه الحسن بن سلامة ولم تزل الملوك تتقي صولته إلى أن قتله علي الصليحي القائم بدعوة العبيديين على يد جارية بعث بها إليه سنة اثنتين وخمسين وأربعمائة فقام بالأمر بعده بزبيد مولاه كهلان ثم استولى الصليحي على زبيد وملكها من يده كما يذكر.